صلاح رشاد .. يكتب: الملك العضوض والأثمان الباهظة (19)
نهاية مأساوية للوليد بن يزيد
قلنا إن الخليفة الوليد بن يزيد فتح علي نفسه أبواب عداوات كثيرة فرضت عليه واقعا مريرا لم يتركه إلا جثة هامدة.
وعلق الدكتورعلي الصلابي في كتابه عن الدولة الأموية عن الصراع الذي نشب داخل البيت الأموي في أواخر عهد دولتهم قائلاً: رأيي أن يزيد بن الوليد طالب ملك، وصراعه مع ابن عمه الوليد سياسي، وإن كان يزيد نظَّم حملة إعلامية شرسة لتلطيخ سمعة الوليد وسحب بساط الخلافة من تحته.
وذكر بعض المؤرخين أن يزيد كان ابن أَمَةٍ فارسية ولم يكن له من المنزلة في الأسرة المروانية ما كان لغيره من أبناء الخلفاء من الحرائر العربيات؛ فحُرِمَ هو وإخوته وسواهم من الأمراء الأمويين من أبناء الأعجميات من الخلافة، فمال إلى القول بالقدر، وأظهر الزهد والتقوى فاطمأن إلى القدرية واطمأنوا إليه، واستفاد منهم في حث الناس على مبايعته وتأييده وحضِّهم على خلع الوليد وسفك دمه.. ويبدو أن تأييد القدرية ليزيد بن الوليد سببه محاربة الوليد لهم، وسيره على منهج عمه هشام في حربهم.
وسرعان ما اندلعت الثورة ضد الوليد الثاني في دمشق بزعامة يزيد بن الوليد، وساندته اليمنية بكل ثقلها، وبدأ الصراع القبلي.
وأدرك بعض أبناء الأسرة الأموية خطورة الوضع، فحاولوا إيقاف التدهور، أو الحد من خطورته، إلا أنهم فشلوا في ذلك؛ مما دفع العباس بن الوليد بن عبد الملك إلى التعبير عن إدراكه العميق لحجم الكارثة، فقال: “يا بني مروان، أظن أن الله قد أذن في هلاككم” (وهذا ماحدث بعد ذلك بسنوات قلائل).
وزحف يزيد على دمشق واستولى عليها، وأَعَدَّ جيشًا بقيادة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك لقتال الوليد الثاني، وكان متحصنًا في قصر البخراء على حدود تدمر(تقع في محافظة حمص السورية).،
اقتحم رجال يزيد بن الوليد الحصن علي الوليد الثاني الذي أغلق عليه الباب وأمسك مصحفا، وقال “يوم بيوم عثمان ” (يقصد أنه سيفعل مثلما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه يوم قتله الخوارج الملاعين) وبعد أن فرغوا من قتل الوليد أرسلوا الرأس إلي يزيد بن الوليد وكان يتناول غداءه فسجد.
وحكى له يزيد بن عنبسة أحد قتلة الوليد أن آخر كلام الوليد : الله لا يرتق فتقكم ولا يلم شعثكم ولا تجتمع كلمتكم، (واستجاب الله دعاء الوليد) .
فأمر يزيد بنصب رأس ابن عمه الوليد على رمح فطاف به دمشق، ثم أمر بأن يدفع إلى أخيه سليمان بن يزيد، فلما نظر إليه سليمان قال: بعداً له! أشهد أنه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً .. ولقد راودني الفاسق عن نفسي!.
و قال إبن الأثير في تاريخه إن قوما نزهوا الوليد بن يزيد مما قيل فيه وأنكروه ونفوه عنه، وقالوا: إنه قيل عنه وألصق به وليس بصحيح.
وانفرط عقد الدولة الأموية بعد مقتل الوليد بن يزيد ولم يكن قد تجاوز الثامنة والثلاثين من عمره.
وتولي يزيد بن الوليد الخلافة بعد أن قتل ابن عمه ولقبه المؤرخون والعامة بيزيد الناقص، لأنه أنقص الزيادة التي كان قد أمر بها الوليد للجند والرعية.
فماذا فعل يزيد؟
وكيف أسرع بنو أمية إلي إهلاك أنفسهم بأنفسهم؟
نجيب في الحلقة المقبلة إن شاء الله.